Post Top Ad

Post Top Ad

زيارة الأستاذ محمد علي لقمان المحامي للسلطنة العوذلية

الأستاذ محمد علي لقمان المحامي يزور السلطنة العوذلية
الجزء الثالث :-
الـســـيـر إلـى مـكـيــراس / الـشــلل فـي عـاصــفـة ثـلـجـيــة
.............................................................................
بعد ان أخذ بعض الخبز على الأسلوب البدوي والبيض المسلوق اتجهنا إلى عريب ، المدينة الواقعة على هضبة مكيراس بارتفاع سبعة آلآف قدم ، والمحاطة بخضرة جميلة . كلن البدوي في محميات عدن يعيش حياة بسيطة عام 1945م . واليوم ونحن في عام 1962م هناك تغييرات ملحوظة في طريقة معيشته وتفكيره . فلم يكن يعرف الطباخة والحياكة والبناء .
وكان ملبسه من قماش لستر العوره غير مخيـّـط ومسكنه في كوخ أوعشة أومنزل صغير من اللبن .
كما انه كان بدائياً ، أميـّـاً ، فقيراً وغير مرتب ، وعلى الرغم من ذلك كان مضيافاً ومتعاوناً .
الـكــرم الـعـــربــــي :
..............................
أستقبلنا السلطان عبدالله بن احمد *، سلطان عريب في منزله المكوّن من ثلاثة طوابق وعرض علينا البقاء لليل ، ولكنني فضلت استكمال الرحلة إلى مكيراس حتى نتمكن من استبدال ملاسبنا والاسترخاء .
وبعد العشاء ( خبز وسمن ) والقهوة مضينا إلى قصر الضيافة في مكيراس .
وصلنا في الساعة التاسعة والنصف مساءً لنجد الجمل الذي يحمل أمتعتنا لم يصل يصل بعد . وكانت البرودة شديدة جداً في الخارج ( 65 درجة فهرنيت ) . وكان المكان شديد الظلمة . وتحدث مرافقي عن السودان وشجاعة السودانيين وكان يعتقد أنهم أكثر الناس ذكاء . وكنت قلقاً وعندما سمعت عواء الذئاب في البرية ، قلقت أكثر .
جلسنا على سطح دار الضيافة عندما جاء الحارس فجاءه وأخبرنا بأنه ليس آمناً الجلوس هنا للتدخين . فقد نصبح هدفاً للقناصين وعرض علينا الإقامة في بيته على مسافة بعيدة . مشينا بمحاذاة جدار حتى نصل إلى البيت الطيني . ونمنا على الأرض . صحوت مبكراً في الصباح التالي لأجد الجمل الذي وصل الساعة الثامنة صباحاً . سقط الجمل على ركبتيه وكسر صندوق الملابس الخاص بنا . وكذا أدوات الطباخة واتسخت حاجيات النوم ( الفراش والبياضات ) . ولكننا شعرنا بالارتياح لوصوله .
ريـــف مــريـــــح
............................
وكان لدي طباخ من أبناء العوالق أعد لنا على الفور وجبة الإفطار . وحضـر الحارس من السوق محملاً باللبن والخبز والدهن والبصل . دفع المال عـنــّـا وقمنا بسداده مع له مع إضافة بسيطة ، قضينا يومين شعرنا خلالهما بالسعادة مع التمتع بالمناخ الرائع وبلحم الدجاج والبيض الكبير والعسل اللذيذ والحليب الدسم .
الـثــلـــج
...............
وفي اليوم الثالث ، هبت عاصفة باردة ( ثلجية ) وكنت لأول مرة أتعرض لهكذا عاصفة ووقفت خارجاً في الشرفة المفتوحة أنظر إلى الثلج الطبيعي .
ووقفت في المطر . ولم أكن أدرك خطر البلل في العاصفة الثلجية حتى بدأت أرتجف من الرأس حتى القدم . تم مساعدتي للوصول إلى سريري حيث غطيت بسجادة ثقيلة وبطانية ومعطف جلد النمر أعيرت إلي من السيد / ديفي .
أحضر الطباخ بعض الجمر المتوهج ، ولكنني ظللت أرتجف تماماً لتسعين دقيقة قبل أن أشعر بالدفء مرة أخرى .
الـســفـر عـلــى الـحـمـيــر
........................................
هبطت علينا السيول الثقيلة من الأراضي المرتفعة ووجدنا أنفسنا في الصباح التالي عالقين في بركة موحلة عميقة . أخذ منا الأمر ثلاثة أيام لنجف وفي اليوم الرابع غادرنا مكيراس إلى البيضاء في اليمن على الحمير . وفي أربع ساعات وصلنا نقطة الحدود اليمنية . وكانت المدينة حسنة التحصين ، قوية الأستحكام وتقع خلف تلال على مستوى أقل قليلاً من مكيراس .
عرف القطاع كله بــ (( أرض الظاهر )) وعندما رجعت من هذه البلاد كتبت كتاباً صغيراً تحت أسم أرض الظاهر .
وفي رسالتي القادمة سوف أكتب نقلاً من ذلك الكتاب كيف هربت من البيضاء ( اليمن ) وكيف سقطت من فوق ظهر الخيل وحملت كأنني ميت لأكثر من خمسة أميال على حمالة مرتجلة في الموضوع التالي .
ذكريات من ألف ليلة وليلة / الهروب في الوقت المناسب من البيضاء
...................................................................................
وصلت البيضاء – نقطة الحدود اليمنية – في سبتمبر 1945م في شهر رمضان بعد الساعة الثانية بعد الظهر . وكنت صائماً والمدينة كلها هادئة . فهي تنهض بعد غروب الشمس . واستقبلني تابع للشيخ حسين علي الرماح ، شيخ مشائخ قبائل البيضاء . فهو صديق وأحد أقرباء زوجتي الأولى . وقد أنقذته في 1918م من قضية تزييف تورط فيها مع أثنين آخرين .
وفي الساعة الثالثة والنصف ذهبت على المسجد مع صديقين آخرين من المدينة . ورأيت بعض الصروح الرائعة والسوق الصغيرة . وأبناء البيضاء شقر والكثير منهم ذوو أعين زرقاء والنساء فاتنات على الرغم من اختفائهن خلف الحجاب . ولاحظت وجود بعض اليهوديلت الجميلات في قسم اليهود . فكان هناك الكثير من اليهود الذين يعملون في صناعة الخمور ، وصياغة المجوهرات والمخابز وصناعة الحصير وبعضهم من أصحاب محلات والقليل منهم من المزارعين . ورأيت مستنقعاً كبيراً خارج المدينة عند سفح ربوة عالية .
والكثير من أهل البيضاء يعملون في الصومال والسودان وعدن وشرق أفريقيا وهم من التجار الناجحين المحترمين جداً . والكثير منهم يعملون كحمالين .
أنــا والـرمـــاح
......................
عند الغروب ، دعيت للأفطار في قصر الشيخ حسين علي الرماح ... وجدته جالساً على كنبه عالية مغطاة بالسجاد الفارسي الفاخر والوسائد المخملية مع نارجيليته ** تقف بعظمة على طبق من النحاس الأصفر ملفوفة ومغطاة بشرائط زينة من الكروشيه وموضوعة على أرض سجادية ثرية تصل إليه ، حيث يجلس ، بواسطة نادل يلبس الرداء المذهـّب . وكان في غاية الكرم حتى ليخيل للمرء أنه أحد أمراء ألف ليلة وليلة .
عرفت الشيخ الرماح يعيش في أبهة وفخامة . فهذا الحشد من الخدم والطعام الوفير الذي يقدم في أطباق فضة والملاعق المذهــّـبة والماء المبخــّر والقاعة والغرف المعطرة والجدران والسقوف الحسنة الديكور تدل على ثراء فاحش .
تـحـذيـــر
.......................
تحوّل الشيخ الرماح خلال عشرين عاماً من تاجر عادي إلى رجل صاحب مركز مرموق . تبادلنا حديثاً طويلاً . ولعـلــّـنـي كنت ثرثاراً ولكنه كان متكتماًً متحفظاً .
بعد ساعتين قرر الذهاب إلى المسجد لصلاة العشاء وظل ولده الشيخ سالم الرماح في رفقتي . غادرنا قصر والده وبعد الصلاة دعاني مدير المدرسو الأبتدائية التي أعيد أفتتاحها للأطلاع على أعمال مؤسسته التعليمية .
وذهبت إلى المدرسة وكان معظم الطلاب من أبناء المسؤلين . وفي قراءة قائمة الحضور ، لوحظ غياب أبن العامل أسحاق . وأخبرني مدير المدرسة وهو من المعجبين بأعمالي الأدبية أن وصولي إلى البيضاء أربك العامل *** كثيراً ، وهو لذلك يبحث عن تعليمات فورية من ولي العهد اليمني في تعز .
وانتبهت واكتشفت أنني قد ارتكبت غلطة كبيرة بالحضور إلى التراب اليمني . فأنا لست من المرغوب فيهك لدى الحكومة وقد يتخذون خطوات تعسفية لإلقاء القبض علي .
فأنا أحمل رسالة من السلطان صالح العوذلي إلى الشيخ حسين الرماح الذي بالتأكيد سيحاول الإحالة بيني وبين الاعتقال ولكن قد يسبب ذلك إرباكاً له .
وبدأت أفكر في طريقة للخروج . كان أحد الضيوف ، والكثير منهم ، من الأقارب البعيدين مثل آل شيبة والقربي والرماح . وسئلت " ما المدة التي تنوي البقاء فيها في المدينة " فأجبت بصوت عال " أسبوع واحد " .
ولاحظت بعدها بقليل ، جندياً مسلحاً يتحرك خارجاً . فأدركت أنه ذهب لإعطاء المعلومات للعامل .
قـصــيـدة مــــدح
........................
في الساعة الحادية عشرة مساءً دعيت إلى حفل موسيقي بالطبول والربابة عند الشيخ سالم الرماح الذي القى قصيدة في مدحي . وبعد السحور همست إلى الشيخ سالم الرماح بأنني أود الأنسحاب قبل الفجر . فرحب بالاقتراح الذي أكد شكوكي . وأمر بالإعداد لنقلي ومنحني حماره الذي كان يركض أسرع من الخيول المدربة ، رافقني جندي مسلح على ظهر حصان كما أهداني حمارين محملين بالسجاد الجميل كهدية من والده ستلحق بي .
وقبل اذان الصبح كنت أجتاز الطرق المتعرجة وغير المستوية التي تقود إلى مكيراس .
بعد الشروق مباشرة وصلت نقطة الأمان وعلمت بعدها بيومين أن ولي العهد أعرب عن فرحته بوجودي في اليمن . أعد عامل البيضاء لإقامة حفل على شرفي خلال إقامتي في العربية السعيدة . وانه يتوجب علي زيارة ولي العهد في تعز وهو غير ممكن .
..................................
*السلطان عبدالله بن احمد صالح العوذلي
**نارجيليته : المداعة اوالشيشة
***العامل : المحافظ
ولي العهد : الامام احمد بن يحيى حميد الدين .
- الصورة المرفقة بالمنشور هي للأمير عبدالله بن احمد صالح العوذلي ، غفر الله له ولوالديه .
.........................................................
بعد عدة أيام سأقوم بنشر الجزء الرابع والاخير من مذكرات وذكريات الأستاذ محمد علي لقمان المحامي عن زيارته للسلطنة العوذلية .
وأرجو المعذرة عن التأخير الغير مقصود في نشر هذا الجزء ( الجزء الثالث ) . وتقبلوا تحياتي :
صلاح الدوح .

المصدر صفحة الموروث الشعبي العوذلي
https://www.facebook.com/LWDER/posts/816310695058601:0

Related Posts

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Bottom Ad